بسم الله الرحمن الرحيم
يوم عاشوراء
عاشوراء على وزن فاعُولاءَ
قال ابن دريد في جمهرة اللغة ج1ص 397_
عاشوراء: يوم سُمّي في الإسلام ولم يُعرف في الجاهلية. قال أبو بكر: وليس في كلام العرب فاعولاء ممدوداً إلاّ عاشوراء، هكذا قال البصريون، وزعم ابن الأعرابي أنه سمع خابوراء، أخبرني بذلك حامد بن طرفة عنه، ولم يجىء بهذا الحرف أصحابُنا، ولا أدري ما صحّته. وناقة عُشَراء، إذا بلغت في حملها عشرة أشهر وقرُب وِلادها، والجمع عِشار. قال الشاعر:
بلاد رَحْبَةٌ وبها عِشارُ ... يَدُلُّ بها أخا الركْبِ العِشارُ
وقال الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس ج1 ص 3191
العاشُوراءُ المَعروف تَجَرُّدُه من ال والعَشُوراءُ مَمْدُودان ويُقْصَرانِ والعاشُورُ : عاشِرُ المُحَرَّمِ قال الأَزهريّ : ولم أَسمَع في أَمثلة الأَسمَاءِ اسماً على فاعُولاءَ إِلاّ أَحْرُفاً قليلة . قال ابنُ بُزُرْج : الضّارُورَاءُ : الضَّرّاءُ والسّارُورَاءُ : السَّرّاءُ والدَّالُولاءُ : الدَّلاَلُ . وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ : الخَابُورَاءُ : موضعٌ . وقد أُلْحِقَ به تاسُوعاءُ . قلتُ فهذه الأَلْفَاظ يُسْتَدْرَك بها على ابنِ دُرَيْد حيث قال في الجَمْهَرة : ليس لهم فاعُولاءُ غير عاشُوراءَ لا ثانِيَ له قال شيخُنَا : ويُسْتَدْرَك عليهم حاضُوراءُ وزاد ابنُ خالَوَيْهِ سامُوعاءَ . أَو تاسِعُه وبه أَوَّلَ المُزَنيّ الحديثَ لأَصُومَنَّ التاسعَ فقال : يحتمل أَنْ يكونَ التاسِعُ هو العاشَِر قال الأزهريّ : كأَنّه تَأَوَّلَ فيه عِشْر الوِرْد أَنَّهَا تسعةُ أَيّام وهو الذي حَكاه اللَّيْثُ عن الخَلِيل وليس بِبَعِيد عن الصَّواب
قال عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين في المزهرج1 ص 43 _204 _219
فاعُولاء: اسماً فقط عَاشُوراء
وزاد ابن خالويه: ساموعاء؛ وهو اللحم في التوارة، وخَابُوراء، حكاه ابن الأعرابي يعني النهر؛ وزاد الموفَّق البغدادي في ذيل الفصيح الضَّاروراء والسَّاروراء للضراء والسراء، والدالولاء: الدلالة.
وفي كتاب العين التَّاسوعاء: اليوم التاسع من المحرّم.
وقال أبو بكر الزَّبيدي في كتاب الاستدراك على العَين: لم أسمع بالتَّاسوعاء، وأهلُ العلم مختلفون في عاشوراء؛ فمنهم من قال: إنه اليوم العاشر من المحرّم، ومنهم من قال: إنه اليوم التاسع.
يوم عاشوراء
تعريفه
هو اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام
مناسبة الصيام
شكر لله تعالى على أن نجى موسى عليه السلام وقومه من فرعون وقومه في اليوم العاشر من المحرم
جاء في صحيح البخاري وغيره عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال:" قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ"، وفي رواية:" فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ"، وفي رواية أخرى:" وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ"، وفي رواية للإمام أحمد:" وَهَذَا يَوْمُ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ فَصَامَهُ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى".
فضله
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء ، فقال : إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله . رواه مسلم
وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال:" مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ"،
ولقد جاء الأمر بوجوب صيام يوم عاشوراء قبل أن يفرض صيام رمضان فقد كان الأمر بصيامه على الوجوب والفرضية كما جاء في صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:" أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ"، وفي رواية لمسلم عن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي اللَّه عنها قالت: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ، أهـ.
ولما فرض الله تعالى صيام شهر رمضان المبارك نسخت فرضية صوم عاشوراء وبقيت على الاستحباب كما جاء في صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت:" كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَا يَصُومُهُ"، وزاد في بعض الروايات عن عاشوراء: "وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ ".
وإن في فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين صيام يوم عاشوراء على الاستحباب، ففي موطأ الإمام مالك عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ"، وفي الباب"عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَصُمْ وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا" وهذا الأمر على الاستحباب، وبعض الصحابة كان يفطر يوم عاشوراء لتأكيد نسخ فرضية صيامه كما جاء في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ:" دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: الْيَوْمُ عَاشُورَاءُ فَقَالَ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَادْنُ فَكُلْ".
مراتب صوم عاشوراء
ذهب السادة المالكية إلى أن صيام عاشوراء على أربع مراتب:
الأولى: صيام الشهر كله.
الثانية: صيام العشر الأُوَل منه.
الثالثة: صيام التاسع والعاشر.
الرابعة: صيام العاشر فقط.
جاء في صحيح مسلم وغيره عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:" لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ"، وفي رواية قال:" حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وذهب السادة الشافعية والحنفية إلى أن صومه على ثلاث مراتب وفق الترتيب التالي:
الأولى: صومه مع يوم قبله ويوم بعده.
الثانية: صومه مع يــــوم قبله أو بعـده.
الثالثة: صومه وحده، قال العلامة ابن حجر الهيتمي في الفتاوي الفقهية الكبرى: فمراتب صومه ثلاثة أدناها صومه وحده ثم مع التاسع ثم معه ومع الحادي عشر فهذا أكملها).
وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر".
والدليل على استحباب الثلاثة الأيام ما ورد من زيادة عن صيام عاشوراء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس:"وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا"، إلا أن الحنفية انفردوا في القول بكراهة صومه منفردا كما في الفتاوى الهندية وغيرها.
فهذه مذاهب أهل العلم وأدلتهم ولكل مذهب دليله فلا ينكر على من أخذ بواحد منها.
* استحباب التوسعة على العيال في يوم عاشوراء
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أوسع على عياله وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته"، أورده المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه البيهقي وغيره من طرق وعن جماعة من الصحابة، وقال البيهقي: هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذ ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة. والله أعلم"، وأورد صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل في الفقه المالكي في التوسعة على العيال في يوم عاشوراء، فقال:"وَجَاءَ التَّرْغِيبُ فِي النَّفَقَةِ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ"، وَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ.انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا النَّفَقَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَالتَّوْسِعَةُ فَمَخْلُوقَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّهُ يُخْلِفُ اللَّهُ بِالدِّرْهَمِ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ" ثم أورد نظماً جميلاً في ذلك:
صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَتَى فَضْلُهُ*** فِي سُنَّةٍ مُحْكَمَةٍ قَاضِيَهْ
قــَالَ النَّبِيُّ الْمُصْـطَفَى إنَّهُ*** تَكْفِيرُ ذَنْبِ الســـَّنَةِ الْمَاضِيَهْ
وَمَنْ يُوَسِّـعْ يَوْمَهُ لَمْ يَزَلْ*** فِي عَامِهِ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَــــهْ
فيوم عاشوراء هو من فضل الله علينا الذي أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة - والله ذو الفضل العظيم - فبادر أخي باغتنام هذا الفضل وابدأ عامك الجديد بالطاعة والمسابقة الى الخيرات ( إن الحسنات يذهبن السيئات )